الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة شاركن في المقاومة المسلّحة ومن بينهنّ من كُلّفت بتفجير جسر، قائمة لبطلات تونسيات نُحتت أسماؤهنّ في الملحمة التحريرية الوطنية

نشر في  29 أوت 2022  (11:39)

في تاريخ تونس ألف حكاية وحكاية... حكايات نظمها النساء والرجال... قصص لملاحم كتبت بأحرف من نار ومن نور...في تاريخ تونس وقائع نضالية ومعارك تحريرية افتكّت الشموخ وأعادت البلاد إلى أبنائها... في تاريخ تونس حكاية لامرأة تونسية صنعت المجد لتونس الأبيّة... لنساء حملن السلاح وصعدن الى الجبال وشاركن في المقاومة المسلّحة ودعمن الحركة الوطنية التحريرية... في تاريخ تونس بطلات تجاهلهنّ المؤرّخون "الرسميون" فتناسوا هالتهنّ وشجاعتهنّ وأعمالهنّ النضالية...

 وفي إطار نفض الغبار عن أسماء بطلات تونسيات لم يذكرهنّ "التاريخ الرسمي" من الملحمة التحريرية الوطنية فلم تحظين بذلك بحقهنّ من التأريخ، ارتأى موقع الجمهورية من خلال هذا الملف تسليط الضوء على عدد من وجوه المقاومة النسائية التي حجبت أسماؤهنّ سُحب التناسي والتغاضي عن مآثرهنّ النضالية وأعمالهنّ الكفاحية التي لم يمحو الزمن البشري بصماتها...

 عن "خضراء الزيدية" التي حملت السلاح بلا خوف ولا هوادة، وافتكّت السلاح من المعسكرات الإستعمارية  لمنحه لرفاقها المقاومين المرابطين بالجبال.. خضراء التي "عملت مكحلة مانية وخرجت تجاهد على الحرية"، وعن "مناضلة عرباطة" التي عنّفوها وعذّبوها وقتلوا ابنتها لكنها لم تعرف الخنوع ولم تركع، عن "مسعية" التي فتحت منزلها للمقاومين لعقد اجتماعاتهم السريّة وحملت السلاح فوق رأسها... عن حسينية عميد التي كُلّفت لشجاعتها بتفجير جسر وادي المالح وصعدت الجبال وحرّضت الشباب على الالتحاق بالمقاومة المسلّحة... عن فاطمة غلالة التي اغتالوا زوجها أمامها وعذّبوها لكنها لم تستسلم.. عن زهرة ودولة وحدّ الزين ومباركة ومهنية وعشرية ومحبوبة...

 عن أيقونات المقاومة، عن ربيع تراب هذا الوطن وملحه وماءه وكل زهره، عن سيّدات الكفاح والنضال نتحدّث... وفي ما يلي قائمة بأسمائهنّ ومآثرهنّ:

 - ساسية بن محمد بن علي بن ربح: أُطلق عليها اسم "مناضلة عرباطة" وهي زوجة المناضل محمد بن يونس الذي شارك في معركة التحرير الوطنية ووقع اعتقاله، وقد داهمت القوات الاستعمارية منزلها سنة 1953 ووقع الاعتداء عليها بالضرب والعنف الشديد هي وابنتها وتمّ نزع ملابسهما وتعذيبهما بهدف الإفصاح عن مكان زوجها والأسلحة...

  وقد توفيت ابنتها بعد سنوات من الحادثة نتيجة للمخلّفات الجانبية الخطيرة التي سبّبتها الضربات الوحشية التي تعرّضت لها على احدى جانبيها وفق شهادة قدّمتها والدتها في الغرض...

Aucune description disponible.

 وأكد المقاوم صالح بن منصر في حديث جمعه سابقا مع أخبار الجمهورية بأنّ المناضلة ساسية كانت لها شجاعة فائقة  خلال  فترة المقاومة المسلّحة حيث ساهمت في اعداد الاكل لرجال المقاومة وتشجيعهم على الكفاح السرّي...

 خضراء الغيلوفي (الزيدية): البطلة المُلهمة ذات القلب الحديدي، أصيلة منطقة بني زيد من حامة قابس، هذه البطلة شاركت في المقاومة المسلّحة فحملت السلاح وصعدت الجبال وساهمت في العديد من الأعمال النضالية...

  تفرغت في البداية إلى مساندة المقاومة الوطنية وتحريض الشباب للالتحاق بها، ولما تفطنت الى نشاطها السلط الفرنسية التحقت بالجبال لتنضم إلى فصائل المقاومة من بني جهتها وكانت حافزا للصمود والمقاومة.

Aucune description disponible.

 وقد أكدت المناضلة في شهادة لها أنها رفعت في وجه قوات "الجادرمية" عدّة أنواع من الأسلحة التي تمرّست عليها من بينها (المانية، الأنقليزية، الشيشخان والميترايوز)، قائلة في ذات شهادتها "أحمد الله أنّنا أنقذنا تونس حتّى تبقى لأبنائها"..

 وأشارت إلى أنّ زوجها المناضل بلقاسم بن محمد كان رفيق دربها في النضال ضدّ القوات الاستعمارية وذكرت أيضا بعض الـأسماء لمناضلين شاركتهم مسيرة الكفاح من بينهم المناضلان  ساسي البقيلي وشقيقه علي البقيلي..

 وأضافت البطلة الإستثنائية، أنه وعلى إثر استقلال تونس ونزول المناضلين من الجبال زارها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة لتكريمها وربّت على كتفها، قائلة وهي تبكي "معطونيش حقّي تعذبت ونمت في البرد... ودافعت على تونس ولم يتذكّرني أحد ولم أتمتع حتى بمنحة للعيش الكريم".

 وأشار ابنها في حديث له بأن والدته افتكّت السلاح من إحدى المعسكرات الإستعمارية ومنحته للمقاومين، مؤكدا انّها ساهمت في أعمال بطولية من بينها تنفيذ الكمائن واقتحام ثكنات استعمارية وكانت تقود كتيبة كاملة أُطلق عليها "كتيبة أحرار بن يزيد"..

 وبيّن أنّ والدته تمكّنت  رفقة أحد المقاومين ويدعى ساسي بو شارب من اقتحام ثكنة تابعة للمستعمر الفرنسي كانت متمركزة في منطقة تسمى خنقة سيدي عيش وذلك بهدف افتكاك السلاح ومنحه للمناضلين، مشدّدا على أنّ الأهالي آنذاك كانوا يتغنّون بهذه البطلة تمجيدا لمآرثها ومن بين هذه الأغاني أو الأهازيج التي نُظمت خصّيصا لها:

" الخضراء عملت مكحلة مانية وخرجت تجاهد على الحرية..

الخضراء عملت مكحلة طقطاقة وخرجت تجاهد مع الفلاقة... "

 وشدّد ابنها بأنّ والدته وزوجها حكمت عليهما فرنسا بالسجن مدى الحياة، معتبرا بأنّ تونس تنكرت لوالدته  البطلة وأنها عاشت  الاحتياج والمرض ولم يتم الإلتفات إلى الجهود التي بذلتها من أجل الوطن ولا تكريمها أو حتّى الاعتراف بجميلها وكلّ أبنائها عاطلون عن العمل.

 حد الزين بنت صالح بوترعة: زوجة المناضل محمد الطاهر بوترعة، كانت من المناضلات البطلات اللواتي قدّمن الكثير من الجهد والعناية لرجال الثورة الأوائل وحضرت اجتماعاتهم العديد من المرات بمنزل زوجها.

 مباركة بنت محمد علي بن مسعي (شُهرت مسعية): بطلة استثنائية عرفت بشجاعتها المطلقة وقوّة شخصيتها، كانت تفتح منزلها للمقاومين لعقد اجتماعاتهم السريّة تحت قيادة لزهر الشرايطي الذي قامت في إحدى المرّات بعملية إنقاذه أثناء تعقّبه من قبل القوات الاستعمارية ، حيث أخرجته من منزلها وهي برفقته وكان آنذاك يرتدي لحافا للتمويه وفق ما أكّده حفيدها في حديث جمعه مع موقع الجمهورية.

Aucune description disponible.

 وكانت البطلة مسعية وهي من مواليد سنة 1905 وتوفيت سنة 1997، تنقل الأسلحة للمقاومين فكانت تخبّؤها في الثياب المتّسخة وتتوجّه بها وهي تحملها فوق رأسها إلى منطقة الفوارة بجهة القصر قفصة أين كانت النسوة يتجمعن حول الينابيع المائية الطبيعية لغسل الثياب والأغطية وذلك لتضليل المستعمر.

 حسينية عميد: البطلة الشرسة التي لم يسكنها هاجس الإستسلام ولا الضعف وحملت السلاح وشاركت في المقاومة المسلحة وقامت بعدّة عمليات بطولية وقادت ملاحم لن تنسى وكانت قريبة للقائد لزهر الشرايطي (ابنة عمّه).

  ووفق ما أكّده المهتم بتاريخ الحركة الوطنية هشام الهادف  فقد كانت البطلة حسينية عميد التونسية الوحيدة التي تحصلت بطاقة أمان أو كما تعرف Carnet de latour  عند تسليم المقاومين أسلحتهم نظرا لكونها كانت مدرجة بالتفتيش إثر تكليفها من قبل المقاومة  بتفجير جسر وادي المالح شرقي قفصة (بين قفصة وزانوش) لمنع نقل الفسفاط وقامت بالمهمة بنجاح.

Aucune description disponible.

 وقد عرفت بشجاعتها ووطنيتها وكتمانها لأسرار ابن عمها، ويضيف المختصّ في التاريخ المعاصر بأنّه وعندما توجّه الحبيب بورقيبة إلى قفصة قبل اندلاع الثورة المسلحة ليعقد اجتماعا سريا في زاوية سيدي سالم الماجوري المتواجدة في غابة زيتون، حيث ضمّ الاجتماع كل من بورقيبة وقيادات وطنية وهم كل من أحمد التليلي وعزوز الرباعي و لزهر الشريطي و منصور التليجاني... وبعد الاجتماع رافق الشريطي الحبيب بورقيبة الى مسقط رأسه اولاد شريط شرق قفصة وطلب من ابنة عمه المناضلة حسينية الاعتناء به وان لا تفشي لاحد خبر وجوده.

  كانت البطلة حسينية عميد تنظم الشعر وتحرّض الشباب على الالتحاق بالمقاومة المسلّحة و تهجو المتقاعسين من ذلك ما قالته:

 "شكيت يا رجال ما أبرد دمك

هز مكحلة وأضرب مع بن عمك

شكيت يا رجال أخرج مالظل

العمر قصير ما تطوّل الذل "

 وكانت المناضلة حسينية رفيقة المناضلة الجزائرية موساوي مسعودة والمعروفة بمحجوبة منصور تحت قيادة لزهر الشرايطي وقد التحقت بالمقاومة التونسية سنة 1952 عقب اغتيال الزعيم فرحات حشاد.

 وقد استشهدت سنة 1957 حاملة السلاح في الثورة الجزائرية بالأوراس بعد مسيرة نضالية في تونس قضتها بين صفوف المقاومة المسلّحة وخاضت خلالها عديد المعارك ضد الجيش الفرنسي في جبال الرديف وسيدي عيش وبوشبكة.

 فاطمة غلالة: مناضلة استتثنائية عانت من التعذيب  المعنوي والجسدي، لقّبت بخنساء قفصة فقد استشهد زوجها المقاوم لزهر فولي أمامها حيث  اغتالته القوات الفرنسية في أحداث القصر الدامية يوم 4 ديسمبر 1952 بعد أن اقتحمت منزله و اعدمته بوابل من الرصاص أمامها وهي تبلغ آنذاك من العمر 16 سنة...

Aucune description disponible.

  كما استشهد عدد من أقاربها في المعركة الوطنية التحريرية، ورغم فقدها وحزنها إلّا أنّ ذلك لم يثنها عن مساندة المقاومة المسلّحة حيث ووفقا لشهادة نقلها المهتم بتاريخ الحركة الوطنية هشام الهادف، كانت المناضلة فاطمة الفولي تجنّد نفسها لحياكة أزياء المقاومين بحكم ممارستها لمهنة الخياطة.

 كما شارك شقيقها صالح غلالة في ملحمة التحرير وهو شاب في عمر 18 سنة  وخاض عدة معارك بالجبال رفقة عدد من المناضلين، كما شارك في معركة بنزرت حيث أصيب فيها إصابة بليغة عاد عل أثرها إلى قفصة ليستشهد بعد مدة متأثرا بإصابته .

 ووفقا لذات الشهادة فإنّ المناضلة فاطمة هي ابنة المناضل محمود غلالة الذي قامت السلط الاستعمارية بالاعتداء عليه في سوق قفصة وتكسير ضلوعه ليلازم فراش المرض إلى أن توفي بعد مدة ليست بالطويلة.

 وهي كذلك  ابنة عم الشهيد الطاهر غلالة أحد شهداء الحرس الوطني الذين سقطوا في بنزرت، وكانت هي وعائلتها من كبار داعمي المقاومة في الجهة حيث كانوا يرسلون المؤونة و الأسلحة للجبال عن طريق أحد المناضلين وهو محمد الطاهر مرغاد على ظهور الحمير هذا المناضل الذي استشهد إثر إصابته بقذيفة مدفعية.

 في ذات السياق رفع كتاب الثورة ثوار وأنصار (تاريخ الحركة الوطنية المسلحة التونسية 1952-1954) الستار عن بطلات منسيات من ورقات التاريخ الرسمي التي للأسف لم تنصف الكثير من الأسماء ومن بين البطلات اللواتي ذكرهنّ الكتاب:

 دولة محمد الصالح عميد:  كانت مناضلة شرسة جنّدت نفسها من أجل الذود عن الوطن، فتنقلت من عشيرة الى أخرى على متن حمار تملكه  مدعيّة أنّها بائعة متجولة حتّى تضلّل السلط الاستعمارية وكانت في خدمة القائد المناضل لزهر الشرايطي وكثيرا ما استقرت بالجبال قصد مغالطة المستعمر والتمويه عن المقاومين...

 مهنية محمد المشري العكرمي: مناضلة شجاعة أُلقي عليها القبض تشفّيا من زوجها القائد بلقاسم بن محمد العكرمي.. وأثناء اعتقالها أجهضت جنينها فتدخل المناضل أحمد دولة لدى مراقب قفصة محذرا اياه من مغبة تلك التصرفات مؤكدا له ان الجهة ستنتفض وستقوم برمّتها  فأذن المراقب سيمينو آنذاك بإطلاق سراحها...

  والدة بوجمعة العويب من بني زيد:  بطلة ذات نضال وصمود استثنائي... كانت تعدّ العشاء لمجموعة من المقاومين الذين يترأسهم لزهر الشرايطي وأثناء ذلك انطلقت رصاصة من رشاش كان يحمله القائد المذكور لتصيب ابنها الذي خرّ صريعا على عين المكان...

  وأمام هول المشهد حاول الشرايطي الانتحار فمنعه الحاضرون من ذلك فأطلقت والدة الطفل زغرودة بهت لها الجميع، بل واقترحت على الحاضرين دفن خبر استشهاد ابنها مع جثته فكان ذلك... وقد ردّد المقاوم محمود بن حسونة الشعيلي اليزيدي امامها وهو يبكي: "إن زغاريدك ستبقى بالنسبة لي كوابل من الرصاص اسمعه ما دمت حيا"...

  زهرة دولة نصيب الزواري: مناضلة من حديد كانت تتمتع بثراء كبير فأغدقت العطاء لعائلات المقاومين، وفي مرة واحدة تبرعت بـ500 الف فرنك فرنسي وهو مبلغ هام وقتها، لشراء الأحذية والملابس وتوزيعها على المقاومين المرابطين في الجبال...

 عشرية اليحياوي زوجة جمل اليحياوي: أصيلة منطقة السقي التابعة لمعتمدية المظيلة من ولاية قفصة، كانت تنتمي إلى فريق عُرف بالشجاعة والإقدام فانطلقت هي بدورها لمساندة الملحمة التحريرية بمعية زوجها. فأعدّا منزلهما الكائن بجبل المظيلة لإيواء الجرحى والمرضى من المقاومين وتوفير الدواء لهم، وتجميع ما يمكن جمعه من تبرعات لفائدة الثوار بمنزلها المذكور وكانت تستعين هي وزوجها بقريب لهما يدعى محمد بعبع اليحياوي.

 محبوبة الفيلي: أصيلة منطقة  سيدي محمود التابعة لولاية القصرين كانت تتمتع بشجاعة نادرة، إذ كانت تلتقي بالمقاومين المرابطين بجبل السلوم والمناطق المجاورة وتزوّدهم بالطعام والمياه وكانت مثالا لنساء أخريات في الأرياف إحتذين بها. 

 هذا وتجدر الإشارة إلى أنّ عددا من الكتب الهامة التي اهتمت بالحركة النسائية والنضال النسوي كانت قد سلّطت الضوء في صفحاتها على عدّة منارات وأيقونات نضالية جمعهنّ حبّ هذا الوطن وساهمن في نحت تاريخه، ومن بين هذه المؤلفات كتاب "مادام في الثورة التونسية نساء" للصحفي والإعلامي المنصف بن مراد والذي سلط الضوء على نضالات التونسيات في الفترة التي سبقت الإستقلال. كما تضمّن  شهادات لـ25 امرأة من الوجوه البارزة في المجتمع، قدمت كل منهن قراءتها للنضال النسوي في تونس منذ 17 ديسمبر 2010 وحتّى لا ننسى نساء الماضي ونساء الحاضر..

 ملف من إعداد: منارة تليجاني